dimanche 14 septembre 2014

مقدمة معاصرة لبحث قديم في الدين و الجنس و الأدب

المثلية الجنسية 1 : البدايات و الأصول


مقدمة معاصرة لبحث قديم في الدين و الجنس و الأدب
بقلم :
هشام الخضير *
    في الحديث عن المثلية موقفان واضحان ، موقف الهجوم المباشر و الدفاع المباشر ، أما أن تجد موقفا وسطيا فهذا نادر جدا إذا استثنينا بعض الآراء الطبية التي تخرج المثلية من نطاق العلوم الإنسانية و النقاش الحر و تدخلها إلى الحقل الطبي الذي بدوره يعجز عن تقديم حلول ناجعة للظاهرة لأنه لا يملك تشخيصا دقيقا لها و أكثر من ذلك لا يريد العلم الإعتراف بعجزه عن ترويض السلوك العاطفي و النفسي و الاجتماعي و الميل الجنسي لدى الافراد المثليين . أما أنا فلست مهاجما و لا مدافعا و لكنني سأصير منافقا حين اقول أنني لست عنصريا و أن الأمر لا يضايقني للأسف لا زالت رواسب التربية المغربية جاثمة على صدري و لا زالت تدعم نظرتي الدونية لعدة أمور أقول للأسف . لا يليق بشخص متحرر مثلي أن لا يتقبل الأنماط الأخرى في الحياة .
    " في العلم والطب لا يُعْتَبَر التوجه الجنسي اختياراً، وإنما تفاعلاً معقداً لعوامل بيولوجية وبيئية. رغم الاعتقاد الشائع بأنَّ السلوك المثلي هو شذوذ أو اختلال، أظهرت الأبحاث أنَّ المثلية الجنسية هي إحدى التنوعات الطبيعية في الجنسانية الإنسانية. وهي بذاتها لا تشكل مصدراَ للتأثيرات النفسية السلبية على الفرد المثلي. لقد لوحظ ووُثِّق السلوك الجنسي المثلي لدى أنواع حيوانات أخرى أيضاً ." حسب ويكيبيديا و مراجع أخرى .

    لكن التاريخ الحقوقي في العالم يحفظ للمثليين ما قاموا به من محطات نضالية اسفرت عن تحقيق عدة مكتسبات من بينها الاعتراف بالمثلية كسلوك مدني طبيعي و ليس كحالة مرضية معدية وخطيرة قد تتسبب في طردهم من مهنهم أو نبذهم من الحياة الاجتماعية و الأسرية و قد تتسبب للبعض منهم في وضع حد لحياته و يشير أوسم وصفي  إلى أن ظهور المثلية لم يكن مرحبا به في العالم الغربي إطلاقا  :
" أثار هذا الظهور العلني للمثليين الكثير من الضغائن الاجتماعية ضدهم في صورة فصلهم من أعمالهم المدنية وإخراجهم من الجيش حتى أن الرئيس الأمريكي دوايت إيزنهاور أصدر مرسوماً سنة 1953 بحرمان أي مثلي أو مثلية من الحصول على وظيفة فيدرالية. كثير من الإدارات المحلية وشركات القطاع الخاص نهجت نفس النهج كما بدأ مكتب التحقيقات الفيدرالي FBIفي تطوير برنامج لمراقبة وتعقب المثليين. هذا بدوره دفع البوليس المحلي لممارسة الكثير من ألوان التمييز والتحرش بالمثليين. الجدير بالذكر أننا في عالمنا العربي لازلنا نعيش هذه المرحلة من التاريخ (يمكن مراجعة حادثة queen boat "كوين بوت" على موقع Human rights watch "هيومان رايتس واتش " / أوسم وصفي - الشفاء من الحب .

    الذي يثير انتباهي غالبا هو الزيجات المثلية التي تقام في الدول الغربية و تنتشر أخبارها بسرعة البرق في العالم العربي و على المدونات و صفحات الفيسبوك ، فقد انتشر خبر محاولة الزواج الفاشلة التي حاول ان يقوم بها زوج مكون من فرنسي ومغربي ، وقد ووجه طلبهما بالرفض بعلة أن القانون الفرنسي يعترف بالزواج المختلط حين يكون الطرف الآخر ينتمي لبلد يعترف بذلك النوع من الزواج . فالزواج المثلي غير معترف به في المغرب و القانون الفرنسي لا يستطيع التأشير على عقد زواج لا يمكن معادلته في القانون المغربي بعقد شرعي هذا لأن أحد الطرفين مغربي و لا يملك الجنسية الفرنسية و بالتالي فليس له الحق في ذلك الارتباط حتى ولو كان مقيما بفرنسا .
    لكن إشكالية الزواج المثلي تنبع من مبدإ آخر ، ففي البداية كان المثليون يرفعون شعار الاختلاف و الحق في اختيار الشريك و ناضلوا من أجل انتزاع الاعتراف باختلافهم ( reconnaître la différence des homosexuels dans la loi  ) و بالتالي الاعتراف بأن المثلي و المغاير و المثلية و المتحولين جنسيا أنماط اجتماعية و أنواع إنسانية موجودة في الطبيعة و لها نفس القدر من الانتماء للجنس البشري و لمؤسسة الدولة و مجتمع الحريات و الحقوق دون تفضيل نوع على نوع آخر . ربما اكتسحت الحركة المثلية العالم اليوم و لم يعد في العالم من ينكر وجود المثليين بين ظهرانينا إلا متحامل ، لكن الاعتراف بالاختلاف مبدأ نضالي تحقق له النجاح في أوروبا و أمريكا و آسيا مع بعض الاستثناءات الغريبة ( التايلاند / ايران /...) و لا زال في بدايته على المستوى الافريقي و العربي لكن هذا المسار التاريخي للنضال المثلي  لا يتسق مع  بعض المطالب الحديثة  كالمطالبة بشرعنة الزواج المثلي و هذا التناقض ليس من باب الحقوق و الحريات لكنه من باب المنطق لا يمكن لمن طالب و يطالب باعتباره موجودا بحق كباقي الموجودات مع اختلافه معها أن يطالب بالترخيص له في استعارة أنظمة متهالكة و خاصة بالنمط القديم كنظام الزواج ونظام الأسرة و نظام التبني ... لأنها ليست نتاجا لبنية المجتمع المثلي ، فالمثلي موجود مثل المغاير و بنفس القيمة و لكن ليس لنفس العلة و هما موجودان لكن مختلفان فلا يجري على المثلي ما يجري على المغاير من فكر و دين و لا أنظمة اجتماعية كالزواج و الطلاق .... و بالتالي إن الفرصة المتاحة للمثليين و لغيرهم ممن يسمون اليوم ب"الأقليات "- مع التحفظ الكبير- مهمة و ثمينة من حيث قابلية المجتمع المثلي على تطوير أنظمة اجتماعية جديدة دون وصاية من الدولة التقليدية و التاريخ التقليدي و بتحرر تام من الفلسفة و القيم التي ظهرت بالخصوص لحماية نظام اجتماعي مغاير و ليس مثلي . على المثليين أن يتأكدوا من أنهم سيبقون مثليين للأبد قبل أن ينخرطوا في أي نضال ، و لكي يحددوا ما يليق بهويتهم كما كانت في البداية و ليس كما ارتضاها المسار النضالي الذي تحكمت فيه التحولات الاقليمية الكبرى في العالم و لربما ليس كل مكسب خيرا . رهان المجتمع المثلي ليس التغلب على مجتمع مضيف بل الرهان الحقيقي هو تأسيس بنيات استقبال اجتماعية و فكرية جديدة و هو الحل الوحيد في نظري لكي يستمر هذا المنتوج الطبيعي و ينتزع مكانته الكونية من الكون لا من الكرة الأرضية فقط فهي نظام معتم  (un système opaque ) لا يليق باحتضان عنصر ضوئي جديد .
    أظن أنني نجحت في أن أكون أقل تزمتا و أكثر موضوعية رغم ما يمكن أن يقال من المؤمنين العميان الذين لا أرحب بهم هنا و لا انصحهم بقراءة المقال كما لا أرحب بالمثليين العميان كذلك أريد شخصا يقرأ ما كتب و ليس ما يريد أن يراه مكتوبا .
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* هشام الخضير كاتب ومدون وشاعر . من مواليد مدينة أكادير سنة 1984 . مستقر حاليا بمدينة تارودانت ، مهتم بالفنون الشعبية و الأدب و الموسيقى الشرقية و بالتاريخ و الفكر . قلم شاب لا يدين بالانتماء لأي جهة أو حركة أوحزب و لا يدافع عن اي طرح فكري دون آخر . له ديوان قيدالطبع عنوانه : قصائد ضد مجهول .
* أستاذ التعليم الابتدائي بتارودانت .

samedi 5 juillet 2014

في مجتمع الزكاة ..................................الأغنياء يحتاجوننا ...؟؟

الأغنياء يحتاجوننا ...؟؟

                                                            هشام الخضير    

                                            

تعتبر فريضة الزكاة الركن الثالث من أركان الاسلام ، و سلوكا ذا تأثير على العلاقات الإنسانية ، و على الحياة الجماعية للمسلمين ، حيث يحس الفقراء بأن لهم حقا معلوما و فريضة مالية في ممتلكات الأغنياء و من هنا بدا الخلط الكبير الذي يطال العبادات في الإسلام . فالزكاة في الإسلام فريضة و ليست فعلا اختياريا . على كل غني أن يتزكى و يطهر نفسه بإخراج ما يوافق المقدار الشرعي مالا أو ما شابه ذلك .
لكن مع التطور التاريخي السريع تلاشت معظم التقاليد الدينية  و بقي المظهر الذي يسهل نقله من المجال الشرعي الأصلي الى المجال الشخصي لكل فرد على حدة . و لأن الإسلام لم يكن ابدا ضد التصنيف الطبقي ، بل الإسلام ديانة طبقية بامتياز ، فالقرآن يميز بين الذين يعلمون و الذين لا يعلمون ، و يرفع الله الذين آمنوا و الذين اوتوا العلم درجات ، و الرسول كان له مقربون منه ، نتج عنهم نخبة سياسية تشكلت في مجلس الشورى الذي انتخب الخلفاء الراشدين بشكل غير( ديموقراطي ) بل بطريقة عاطفية جدا . كما استنبط المؤرخون المسلمون نظام التفاضل الطبقي في الدين الإسلامي ، و اعتمدوه لتصنيف تاريخ الاسلام و المسلمين فأوجدوا عصر الجاهلية انطلاقا من قراءة ذاتية أحادية البعد للنصوص الدينية ، و عصر الرسالة ، و عصر الخلافة الراشدة ، و عصور أخرى تتفاوت أفضليتها حسب قربها من عصر الرسول صلى الله عليه و سلم . هذا من جهة اما عن تشجيع التفاوت الطبقي بين أفراد المجتمع الواحد فهذا أمر تشجعه كل المراكز الدينية في الغالب و على طول الخط التاريخي للمجتمعات الدينية .
عودة الى موضوع الزكاة ، و فعل الخير عموما و التصدق و الإحسان ، نجد منا من يخال أن التطبيق الدقيق لمسطرة الزكاة و تعميم الصدقة قمين بأن يقضي على وجود طبقة تسمى الفقراء بشكل نهائي ، لكنه يصدم بالنموذج السعودي مثلا حين يجد الزكاة في كل مكان لكن الفقراء لا ينتهون ، صحيح أن معدل الفقر في الدول المتقدمة أكبر لكن الزكاة ليست الحل في المجتمعات المتدينة.
من وجهة نظر نفسية ، يشكل فعل الإحسان تفريغا للكبت لدى المقتدر و الميسور ، تجاه الفقير و المحتاج ، فبعيدا عن الأثر المباشر للإحسان على المستهدفين منه ( فرحة الفقراء و ابتهاجهم بما قدمه الغني) لم نجتهد لقراءة الآثار الإحسانية في اتجاهين بدل الاتجاه الوحيد ، الأغنياء يستمتعون بما يفعلون من خير و هذا ليس وصفا عاديا ، فالمتعة هنا نوع من الليبيدو المعقد الذي يظهر على شكل مساعدة و ايثار و بر و... بينما يحقق نشوة شبقية لدى المحسن و المتصدق و فاعل الخير كأنه يخلق لديه إحساسا بالأهمية و الجدوى و الوعي الأكثر خطورة بقدرة الفوارق الطبقية على التأثير و الإمتاع .. و بالتالي رغم المجهودات الخيرية الدائمة و المتزايدة لن ينقرض الفقراء و لن يغتنوا أبدا لأن الأغنياء المحسنين لا يريدون ذلك ، لذا ينفقون بالقدر الذي يسعد هؤلاء لليلة واحدة و يرسخون للحاجة الدائمة للفعل الإحساني و هو في النهاية تكريس للفروق الطبقية أي للثنائية الهيجلية السيد/العبد و بالتالي فعل الخير ليس سوى  ترسيخ للفقر بشكل مهيمن و متين . و القضاء على الفقر سيتطلب من المهتمين عملا ممنهجا أكثر من مجرد زكاة .
و بما أنني كنت فقيرا جدا في يوم من الأيام ، و اليوم بحمد الله صرت متوسط الدخل ، فقد تعرفت على فعل الخير و فاعليه عن قرب شديد ، و استفدت من بعضه بكل فرح و رددت لأهله الابتسامة و الشكر في مقابل العطاءات المادية ، و قد واجهت أحد الأغنياء الجدد حينها و كان لي صديقا ، بهذا التحليل السلبي لعملية الزكاة و أعمال الخير فقال أنه لا يحس وازعا دينيا ولا نفسيا طيبا يدفعه الى فعل الخير بل كان يحسن الى الناس لأنه غني فقط لسبب واحد أن المجتمع يجعلك أكثر احتراما حين تكثر من فعل الخير ، تشتري قلوبا و عقولا و أجسادا و ربما أصواتا في الانتخابات ...

ما يثير الغرابة هذه الأيام ، أن معظم هيئات المجتمع المدني تشارك في الأنشطة التضامنية و الخيرية بشكل مهم خلال شهر رمضان خصوصا ، و خلال المناسبات الدينية الأخرى ، و جمعيات أخرى جعلت فعل الخير تخصصا جمعويا ، وهو أمر يبشر بالخير ، و يدل على أن أخلاق التكافل و التضامن لا زالت موجودة بل و هي من أولويات المجتمع المدني في المغرب ، لكنها لا تعدو أن تكون ترقيعات لجلباب الفقير و ليست حلولا واعدة ، فالزكاة ( و لا نقصد بها الركن الثاني في الإسلام فقط ) أي السلوك التعاوني في الإسلام يجب أن تكون مشاريع مستمرة و مواكبة لا أن تكون حملات اجتماعية تستهدف البطون و العيون كمشاريع القفف الرمضانية التي لا تحتاج الى جمعيات معروفة في المجتمع المدني للقيام بها . عدوى ترسيخ الفقر و الاتكالية انتقلت من الأفراد إلى المؤسسات الاجتماعية فلا تفرحوا أيها الفقراء لن تغتنوا ابدا ما دام الأغنياء يحبونكم سيصنعون منكم الكثير . انها الحقيقة الأغنياء في حاجة الينا .

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* هشام الخضير كاتب ومدون وشاعر . من مواليد مدينة أكادير سنة 1984 . مستقر حاليا بمدينة تارودانت ، مهتم بالفنون الشعبية و الأدب و الموسيقى الشرقية و بالتاريخ و الفكر . قلم شاب لا يدين بالانتماء لأي جهة أو حركة أوحزب و لا يدافع عن اي طرح فكري دون آخر . له ديوان قيدالطبع عنوانه : قصائد ضد مجهول . * أستاذ التعليم الابتدائي بتارودانت . 

المصدر: http://almaghribihicham.blogspot.com/2014/09/blog-post.html

vendredi 16 mai 2014

الإطعام المدرسي

الإطعام المدرسي بالمغرب ..

متى تنتهي فصول المسرحية ؟؟


                                  
 بقلم : هشام الخضير
                                     
16-05-2014
تم تسليم شحنات الإطعام المدرسي ، على دفعات متفاوتة إلى بعض المدارس الابتدائية انطلاقا من بداية الأسبوع الأول من فبراير 2014 ، رغم أن التوقيت الذي كان متعارفا عليه خلال السنوات الأخيرة كان عادة شهر دجنبر من كل سنة . ورغم أن السنة الدراسية تبدأ كل شتنبر .   و بدل أن تصل التموينات الهزيلة في وقت مبكر من السنة الدراسية جاءت متأخرة كانها مواد تكميلية يمكن للتلاميذ في المناطق النائية الاستغناء عنها .
الإطعام المدرسي خدمة ضرورية لكل المتعلمين في المدارس الابتدائية بالعالم القروي ، لأنها تعوض نسبيا وجبة أساسية يحرم منها الأطفال بسبب بعد منازلهم عن مكان الدراسة و بالتالي فهي فريضة على الوزارة و على نياباتها الإقليمية توفيرها كحق لكل طفل مغربي متمدرس ، و الحال أن التعامل مع هذه الخدمة لم يعد يكتسي بعده التربوي و لم يعد ذا قيمة منذ أن اتخذت جمعيات الآباء موقفا سلبيا من المؤسسة و شؤونها و لم تعد تتدخل في تدبير الشأن التربوي ، لا من بعيد و لا من قريب . و تركت للإدارة و مصالحها انفراد التسيير و التدبير الذي غالبا ما يطرح عدة تساؤلات عن مدى جدوى خدمة الإطعام المدرسي و جودته و احترامه لمعايير التغذية الصحية و الكريمة و الأهم عن مدى احترام التوقيت المناسب لتسليم المؤونة الغذائية و عن حالة المطاعم المدرسية التي تكتسي أغلبها طابعا نقليديا . تشبه في الغالب براكات لتربية الدواجن لولا مجهودات الأعوان المكلفين بالإطعام و بعض الأساتذة الذين يتطوعون من تلقاء أنفسهم .
بعيدا عن المكاتب المكيفة بالرباط ، تعالوا نكتشف كيف تسير الأمور بإحدى الجماعات القروية التابعة لدائرة إغرم ، نيابة إقليم تارودانت ، حيث تبدأ للا كلثوم ، سيدة في العقد السادس من عمرها ، تبدأ يومها في الصباح المبكر بمسيرة على الأقدام من مكان إقامتها بدوار بعيد عن المدرسة بحوالي نصف ساعة من المشي الحثيث ، لتصل إلى مكان عملها قبل استيقاظ التلاميذ و المعلمين ، تنظف القاعة المخصصة للإطعام ، تعد الخبز الصباحي الذي تفوح رائحته لتذكرنا بصنيع الأمهات ، و تقوم بتقطيعه قبل أن تفتح علب السردين المصبر لتضع في كل ربع خبزة شيئا من السمك ، تعد ما يقارب 40 وجبة كل يوم ، و تباشر عملية توزيع الأكل على الأطفال بلمسة من الدفء و حس إنساني راق نلمحه فقط عند الأمهات ، أم للجميع هنا ، طباخة ماهرة ، و مكلفة بتنظيف المطعم و توزيع الوجبات ، سيدة في عمرها كم تتقاضى يا ترى مقابل كل ذلك ؟
سألت تلك السيدة عن المبلغ الذي تتلقاه بعد كل دفعة ، تستمر المؤونة مدة 70يوما غي الغالب ، فدهشت للأمر حين علمت أن المبلغ متغير بحسب عدد التلاميذ ، و الحال هاته فأجرتها لا تتجاوز 650درهما في ما يقارب شهرين و نصف الشهر . و منذ متى تمارسين هذا العمل يا سيدتي ؟ تقول : ربما قضيت هنا ثلاثين سنة فقد بدأت مع المدير الفلاني ، و جاء بعده السي مسعود و .. تسرد أسماء المديرين و الأساتذة بدقة عالية ، مما لا يدع مجالا للشك أنها في سلم الأقدمية بالمؤسسة انتصرت على كل معايير التصنيف .
هذه السيدة المناضلة بشتى المقاييس لم تشتكي يوما من الحيف الذي لقيته ، مع ما خلفه الزمن من أوشام غائرة على لوحة وجهها ، و من أمراض عصية و تعب في الجسد لا تزال روحها تأبى الخضوع لنوائب الزمان . هي تعلم أن المقابل هزيل جدا ، تقول أنها في كل بداية موسم جديد تفكر في الابتعاد عن عملها الذي عرفته أكثر من نصف قرن ، لكن وجوه الأطفال البريئة و هم يزدردون الطعام الذي تعده لهم أكبر سبب لصبرها و اجتهادها .
ثلاثون سنة في عمل رتيب ، مليء بالمسؤولية و التفاني ، و أجرة هزيلة لا تسد حاجة و لا تفتح منفذا ، و اليوم لا زال الحال علة ما هو عليه رغم تعاقب الحكومات و المسؤولين المتشدقين بشعارات الديموقراطية و العيش الكريم ، لا أثر للديموقراطية و لا لغير ذلك ، حين نكتشف أن الحكومة التي تعاقب المشغل الذي لا يصرح بمن يعملون داخل مؤسساته و لا يضمن لهم حقوقهم التي ينص عليها قانون الشغل ، لا تلتزم بالقانون و تعد نفسها فوق القانون ، هل يمكن اعتبار هذه الحالة التي تعمل مدة نصف عمرها دون أدنى اعتبار ، و تجوب المسالك الجبلية في الشتاء و الصيف دون تغطية صحية ، مشهدا ديموقراطيا ؟؟
قد يظن البعض أنها الحالة الوحيدة لكنما هي عينة واحدة عما يعاني منه المكلفون بالإطعام المدرسي عبر ربوع المغرب العميق دون أن يحرك المثقفون و أشباههم الذين يعرفون هذه السيدة و أمثالها و يتجاهلون مأساتها حتى يتمكنوا من النوم في هدوء و سكينة .  يكفي أن نعرف خطورة تواجد شخص أجير داخل مرفق عمومي دون إطار قانوني واضح و دون تغطية صحية و دون أجرة كريمة لكي نتعلم عدم الاغترار بالشعارات المزيفة للمؤسسة الحكومية .
إذ قامت الحكومة الحالية بتخفيض ايام الإطعام المدرسي من 120 يوما إلى 90 يوما بالسلك الابتدائي دون سابقة فقط من باب السياسة التقشفية البائدة التي تنهجها حكومة بن كيران  التي أتت لتتعلم " الحسانة في رؤوس اليتامى و المستضعفين "
عندما ترى المكلفة بالمطعم التلاميذ فرحين بوجباتهم تقول : يكفيني أجر هؤلاء الصغار فكل ابتسامة منهم صدقة علي يوم القيامة " أما المعنى الفعلي للتضامن و الضمير المهني فقد تعلمناه من السيدة كلثوم و ليس من وزارة التربية الوطنية .


mardi 4 mars 2014

الثورة 1 خواطر

أحاديث الليل
سبارتاكوس، لينين و تجار الثورة

الثورة ، شيء لا يمكن الحديث عنه بشكل جديد ، فالتاريخ السياسي لشعوب العالم يفرض اجترار التجارب السابقة لأن الثوري المعاصر لم ينتج نموذجا ثوريا جديدا يسعف الباحث المعاصر في تحليله لأوضاع الناس و الساسة .
الثورة ، بالنسبة للإنسان العادي كما لرجل السلطة ، كل ما من شأنه تهديد استقرار نظام حاكم . بينما الكلمة لا تحمل هذا القدر من التهديد إذا نظرنا في بداياتها ، و أدبياتها المتعارف عليها . فالثورة بناء تربوي أساسا . و لكل منا ما ارتضى .
النقاش الحر بين جميع طبقات المجتمع البشري ، العربي و الشعوب التي تحس بالاستبداد من حين لآخر أو بشكل دائم لا يتوقف عند تحديد مفهوم الثورة و هذا ما جعلها قابلة كمصطلح لكل انفعال جماهيري ( و الجمهور لم يحصل أن اجتمع حول قضية واحدة ) ، فالكتل البشرية المتمردة ضد من يقهرها ، ضد كتل أخرى ، أو ضد بعضها ، تسمي ردود الفعل التي تنتجها ثورة . فمقاومة الاستعمار و رفع الظلم الجائر للحكام ، المطالبة للتقاسم العادل للثروة ، الحروب الأهلية ، التنديد بشطط موظف بسيط في استعمال السلطة ، الاحتجاج ضد سوء المعاملة داخل مؤسسة مخزنية / حكومية .... كلها حالات يعتقد أصحابها اعتقادا رصينا أنها تدخل في ما يسمى بالثورة . و لا يمكن إخراج بعض المظاهر الاحتجاجية من هذه الدائرة لكن لا يمكن القبول بالكل داخل القاموس المفرد للكلمة .
لنترك لعلماء اللغة و السوسيولوجيين تحليل ذلك . لكن يمكن للكائن الاجتماعي العاقل البسيط أن يفتح أنظاره على زوايا مختلفة في مناقشة ظاهرة الثورة حيثما كان و حسبما ارتضى . فميزة الفكر المتحرر من القيود التاريخية و الاجتماعية هو قدرته على تقييم  الرأي الناتج عن الإنسان البسيط بنفس تقييمه للمقال العلمي في الظاهرة .
جمع نقاش عفوي ثلاثة شبان مغاربة حول موضوع الثورة ، أحدهم جزء من مشروع إسلامي كبير ، و الثاني مدون الكتروني و الثالث فضولي يتحدى . و غلب على النقاش عدم حضور مفهوم واحد لكلمة ثورة . و للمتلقي أن يفهم عدة أشياء أحيانا متناقضة من محادثة كهذه و قد لا يستفيد شيئا يذكر .
عدد كبير من الناس يظن أن الثورة موحدة لدى الجميع ، و الأجهزة الحكومية تظن ذلك بدورها ، فالمتمردون يمارسون الفكر الثوري خاصتهم ، و آليات القمع تمارس القمع ذاته لكل الثوريين . و كلاهما على خطأ .
الثورة بالنسبة لي كلمة مبهمة ، لا يجوز توظيفها في نقاشاتنا لأننا لا نعرفها و قد تكون تعبر عن شيء مغاير لما نريد . ثم إن لي رؤية خاصة في ما سمي بالثورات ، القديمة منها و المعاصرة . كانت مثلا حرب تحرير العبيد التي قادها سبارتاكوس ثورة ضد العبودية ، و كانت حربا على الطبقية بشتى أنواعها . ثم حملت ثورات أخرى ملوكا و حكاما إلى القبور بينما حملت الثورة البلشفية لينين إلى قمة الهرم الروسي و اسست لمجتمع جديد ، تجربة لم تنل حظها من التجريب بيما حظي الفكر اللينيني بالوقت الكافي للقراءة و النقد .
و قد تكفل ترورتسكي بالحفر في تمثال رفيقه ستالين ليفتتح بذلك عهدا جديدا في تقويم المسار الثوري و المحاكمة المعنوية لما قد يسمى " خيانة المشروع الثوري " .
ثم اقتبس الكيان الكردي بشمال العراق و الجنوب التركي نموذجه الثوري من مراجع متعددة حد التناقض إلى أن انفصل الفكر عن الواقع في التجربة الكردية و انطلقوا إلى الكفاح المسلح دون مراجعة المنهج الثوري أو حتى تعديله بشكل يضمن لتجربتهم التميز الإقليمي على الأقل ، و ها هم اليوم يساومون تركيا لتمكنهم من حكم ذاتي يغطون به حاجيات القياديين لا غير .
هل تسمى النماذج الانفصالية ثورات مثلا ، و هل الحق في تقرير المصير يشمل النظام الانفصالي مثلا ؟؟؟
للأسف نجد في المواثيق الدولية بنودا تشجع الانفصال و تسميه حركات تحررية و يكفي أن تحتج قبيلة في بلاد ما ضد سوء التدبير ليسمى الأمر حقا في تقرير المصير . و المصير لا أدري من جعله يشمل الانتماء الجغرافي و إلا من حق كل دولة التخلي عن القارة التي تنمي إليها لنجد افريقيا الوسطى مثلا تطالب بحقها في الانضمام الى أمريكا اللاتينية . و للأسف تقف عدة أنظمة حاكمة موقف النكران ضد مصالح و استحقاقات مناطقها المهمشة رغم أن الاستقرار ليس مبررا لطمس هويات الشعوب و قمع الأقليات .
الثورة قناع تقتنعه الكتل لتقوية مشاريعها التي لم تولد الفكر الثوري لكن داخل منطق تصفية الحسابات . ولكن الثورة لا زالت هي الخطاب الوحيد الذي يستطيع حشد الحشود الكبيرة للدفاع عن فكرة شخص واحد .
أوصلت موجات الربيع الديمقراطي الكثير من المعارضين إلى قصور الرئاسة و دهاليز الحكم في البلاد العربية بعد أن كانت حكرا على من يلمع حذاء السلاطين و الحكام و الجنرالات . لكن المفاجأة حصلت بعد تسلم السلط ، إذ مارس كل حاكم جديد ، أو حاول ، مشروعه الخاص في الحكم ، و اكتشفت حشود الثورة / الجماهير ، أن حكم الثائرليس منظبطا للثورة الأم . في تونس اكتشف التونسيون أن حزب النهضة لم يكن يخرج إلى الشارع لنفس الأسباب التي مات من أجلها البوعزيزي ، و في مصر الرئيس المنتخب يعزل بسرعة البرق و الشارع المصري فريقان يؤمنان بدولتين متناحرتين داخل دولة واحدة . و في بلادنا العربية كلها الثورة تنتج عنفا جديدا ضد الثوريين لا غير .
الثورة نسبية ، ملك للفرد و لا يمكن الجزم بأنها الثورة ذاتها عند نفس الكتلة البشرية . الثورة لم تنتج من وهم الشعوب بقرب إصلاح أوضاعها بل ولدت لتحارب الظلم لا لتنتج ظلما أكثر حدة . لكنها عبر التاريخ أنتجت ثوريين ينصبون جلاديهم في كراسي الحكام المعزولين.
إن التغيير يبدأ من الداخل ، دون استنساخ النماذج الثورية لكن كما قال أحد الثلاثة لا بد للثورة أن تكون ثورة عقول ، فبالقدر الذي تتكاثر فيه العقول المستنيرة يعجز النظام الفاسد عن التحكم فيها و يتنازل عن مكتسباته شيئا فشيئا . لا يشجع هذا المقال على الفتنة و افتعال الثورة و لا يدعم أي طرح ثوري بعينه ، لكنه خلاصة حوار شيق و انفعالات مواطن .

هشام الخضير
09.02.2014

ايت ملول  

mercredi 8 janvier 2014

Monologues des nouveaux schizoïdes مونولوكات الفصاميين الجدد

مونولوكات الفصاميين الجدد

Monologues des nouveaux schizoïdes

Par : ELKHADIR Hicham

       أزمة النص ، جنون العظمة ، التوحد ، أمراض تطبع حياة الإنسان المعاصر ، العربي بالذات ، و في المغرب تتخذ حدة هذه الظاهرة منحى تصاعديا يبعث على الخوف الشديد من وصول تلك اللحظة التي نصبح فيها مضطرين أن نقرأ ولو بالصدفة و دون كامل الرغبة والقصد لأشخاص يعرضون نصوصهم الفقيرة على كل المنابر ، إنها الإشارة البرتقالية التي لا تترك اختيارين للقراء : العبور السريع أو التوقف الحذر .
     إن الإفلاس الأدبي لهذه الأمة لم يولد فجأة ، لكنه نتيجة منتظرة لكل ما حصل و يحصل على المستوى السياسي بالدرجة الأولى ، ثم على المستوى الإعلامي – لأن السياسة دائما في العالم العربي تسبق الإعلام – و هي الإسقاط المباشر للفوضى السياسية و الإعلامية على المشهد الثقافي العام و على الأدمغة و الألسنة و الأقلام الأدبية و الفنية الجديدة على الخصوص ، و التي بفضل الحرية المعلوماتية التي يسرها قرب خدمة الإنترنت من كل الفئات العمرية ، و الظهور المباغت و الانتشار السريع لمواقع "التواصل الاجتماعي" كالفيسبوك و التويتر و قنوات اليوتيوب و هلم جرا مما فاتني التعرف عليه .

الوصول الميسر لكل الخدمات على الإنترنت من كل الأشخاص هو بداية الدمار الثقافي الشامل الذي يهدد استقرار البشرية على الأرض لأن تسيبا كهذا سيؤدي إلى الترخيص المعلن للقمع الثقافي الشامل .

    فعلى المستوى السياسي ، شكل الربيع العربي فرصة مناسبة للإطاحة بالأنظمة الفاسدة ، واستطعنا أن نفهم لأول مرة في التاريخ ماذا تعني عبارة الأنظمة الفاسدة ، فهي عبارة كبيرة تعني بشكل محدد و بسيط : الأنظمة العربية التي لم يتسنى لها الوقت الكافي لمواكبة شعوبها بالشكل الذي تنتج فيه قمعا معادلا لدرجة الحرية التي استمتع بها المواطن العربي . ولو كانت حياة الحرية في الأقطار العربية عامة حياة قصيرة جدا .

     الفساد لم يكن يوما محددا ، ففي غالب الأحيان تنتشر فضائح السياسيين فجأة بعد كانوا نجوم الساحة و أصحاب القرار ، و نفس الشعوب التي رفعتهم إلى مناصبهم بعقيدة مغلقة هي التي في لحظة ما تقوى على زعزعة الكراسي التي اطمأن الجالسون عليها إلى غفوة الشعوب التي لا تنتهي بل تتحول أحيانا إلى انتباهات سريعة و حركات لاإرادية سريعة تماما مثل ما يحدث للنائم إن غط في نومة ثقيلة ، قد يلغو بأصوات غير مفهومة ، أو قد يركل الفراغ برجله أو يلكم الهواء بقبضة يده التي تكون غالبا شديدة الارتخاء من فرط الاتكاء عليها . و السياسيون ذاتهم يعودون بعد اكتمال تحولهم من كائنات دكتاتورية كلاسيكية تكرهها الجماهير المتحررة إلى مفاعلات سلطوية تستطيع التحكم في الخلق وفي المجتمع و مؤسساته بل حتى في أحلام الثوريين و خطاباتهم دون أن تتخلى عن أقنعتها و وواجهاتها المبتكرة بتقنية عالية بهدف طمأنة الشارع العربي على مصالحه و تطلعاته دون العزم على تحقيقها ، و توفير الدعم النفسي و العاطفي اللازم لتهدئة جراح المكلومين . و قد تعمد هذه الكائنات المستذئبة إلى زرع الفتنة بين الطوائف حتى تحكم قطعانا ملونة بألوان مختلفة ما دامت عجزت عن حكم القطيع الموحد .

      أما على المستوى الإعلامي ، فلا الحديث يطول و لا التحليل يخبرنا بجديد ، لكن إن هو إلا عنصر وجب ذكره بما له من أهمية ، الإعلام الذي ظل مهنيوه يسمونه بالسلطة الرابعة ، لم يعد سلطة بل أصبح موظفا داخل بيروقراطية مسورة لكن بمزاج لبرالي ، و صارت وظيفته تعميم الصورة النمطية و تحليل الحوادث الصغيرة بدل الرقي بفكر القراء إلى النظرة الشاملة للأمور التي تحدث حولهم . لقد السلطة الرابعة مشهدا لتأقلم أنظمة الحكم ما بعد الربيع العربي و دليلا على تجدد القمع و تحوله بجنون دارويني غير مسبوق.

     و قد ساهمت حرية الإعلام المزعومة في جعل عدد القراء يتضاءل بشدة أمام ضخامة مؤشرات الكتاب و الناشرين و المدونين ، و إن كان الأمر دليلا في خدمة الديمقراطية فهو أيضا دليل على فقدان التحكم المقصود في ما يقرؤه الناس و ما يفكرون فيه . فعندما تمجد دولة الفوضى الثقافية ويقبل الشعب على الغث و السمين دون تمييز يكثر أشباه المثقفين و ينتحر المثقفون أو يغشى عليهم و يختفون تحت ليل اللامبالاة الجماهيرية ، تندحر الثقافة و يفلس الرأي أمام تعدد الرأي الآخر ، ويصبح الاجتهاد الفكري مهمة للمتقاعدين من لعبة الاحتيال على الشعوب (السياسة) . و هو ما يظهر من خلال تحليل التعاطي مع الفيسبوك و التويتر ...الخ ، فالكل يفكر في الرد قبل قراءة المنشور ، و الكل ينشر دون تفريق بين خبر عن لون سراويله الداخلية و خبر عن حدث كبير أو قراءة نقدية في حدث كبير .

     الظاهرة الخطيرة ، ونتحدث هنا عن المشهد الأدبي و عن فعل الكتابة خصوصا ، هي الجرأة المتزايدة لدى مستعملي الأنترنت فيما يخص كتابة التعاليق و ما يسمى ب"الحالة" le statut على جدار الفيسبوك ليس من حيث النشر لكن من حيث ما ينشر ، حيث عند قراءتك لأي منشور فيسبوكي يستطيع القارئ استشعار الثقة الزائدة للناشرين في صحة ما ينشرون و استعدادهم للنقاش . ثم إن إقبال المستعملين للفيسبوك و تويتر على تعميم الخبر الصحافي ، حيث يمكننا الإطلاع على آخر الأحداث بمجرد الدخول إلى واحد من مواقع التواصل الاجتماعي دون اللجوء الى صفحة خاصة بجريدة معينة ، إن هذا الإقبال سبب في اختفاء ما كان يسمى بالسبق الصحافي . التواصل الالكتروني ضربة قوية لمهن الصحافة و لفن الكتابة . إن لم نقل الضربة للقاضية لكل ما هو جدي و معقول في الفكر و الأدب .

     ثورة الاتصال خلقت بعدا خامسا في الثقافة و المعرفة ، صار المراهقون المتبولون في أفرشتهم ليلا عباقرة فجأة ، و صار بعض ذوي الاحتياجات الخاصة على المستوى العقلي فلاسفة يغدقون علينا من خيراتهم الفكرية ، و أكثر من عانى بالنسبة لي كان هو الأدب ، لم يعد هناك وازع يردع الإنسان قبل أن يتجرأ على الكتابة و انتحال صفة الكاتب و الشاعر و المبدع و ..... و أعلم أنني بما أقول أنتقد نفسي أولا لأنني من فئة الهواة و يطالني ما يطالهم من باب الصفة وليس من باب السلوك ، لكن هناك قول أمازيغي مأثور دائما ما ردده أحد أصدقائي مفاده أن نبتة الحبق لا تقول عن نفسها أنها طيبة الرائحة. دع الناس يقولون عنك ما تريد أن تسمع . و لا تحدث نفسك بما ليس لك فقد تجد نفسك داخل قوقعة المونولوك الفصامي . اتقوا الله ايها الفيسبوكيون ، ليس كل حساب على الفيسبوك يعطينا الحق لننتحل صفة ليست لنا .
في الشعر ، الجرأة تتحول إلى وقاحة و القصيدة تصير لفة من الكلمات الباردة دون معنى جديد ، و ربما تتحول في أحسن الأحوال إلى نص قرائي وظيفي مليء بالسجع المبتذل و فساد المعنى . و في الشعر الغنائي ، إن كان لا زال له وجود ، يمكن أن نلمس الكارثة بوضوح ودون لُبس ، الأغاني الجديدة تلغي النص و تزيد من قيمة الضجة الآلية التي تخاطب الأطراف و مواطن الانتشاء بدل الأفكار . يكفي ان نلقي نظرة على الألبومات الصادرة بداية من سنة 2000 م لنفهم أن الكلمة تراجعت تاركة مكانها للإيقاعات الصاخبة و العزف الغريب ، فعصرنا المضطرب يهتاج و ينتشي بكل ما يبعث على تحريك الجسد ما أمكن ، إنساننا المعاصر فقد ذوقه الفني حين استرخص من شعره و فقد مع الذوق حاسة السمع ليفقد قدرته على التمييز بين الحين و القبيح تدريجيا .

     لا تخلو صفحات الفيسبوك من عناوين ك : صفحة الكاتب و المبدع و الفنان .... و حين نحاول التعرف على صاحب كل هذه الألقاب التي غالبا ما تتجاوز ألقاب أعلام خدموا شعوبهم بأدبهم و كتابتهم كالعقاد و توفيق الحكيم و محمد زفزاف ...نجده لم يؤلف شيئا عدا بقايا كلام . و في المقابل نجد روائيا و قاصا مغربيا عظيما كأحمد بوزفور يتخلى عن جائزة توج بها خلال تظاهرة أدبية كبيرة ، و هو الذي أمطر الخزانة المغربية و العربية و الأدب العالمي بإنتاجاته الممتعة و المجددة و المركزة و الأنيقة . هكذا هم الكبار لا يرون أنفسهم كذلك لأنهم لم يفكروا يوما أن فعل الكتابة في حد ذاته يعطيهم الحق في استحقاق صفة الكاتب ، القراء هم من نصّبوهم على عرش الكلمة . و هؤلاء الكبار حتى لحظة الاعتراف لهم بالألمعية و لإنتاجاتهم بالجودة يصابون بالذهول و يركضون في استحياء بعيدا عن الأضواء ، هم أبدعوا استجابة لنداء الفكر و الأدب و الواقع فأصبحوا أعلاما و نحن نتجرأ على النص بالتلفيق و التدليس طلبا للشهرة . لم يعد في وسع إنسان الألفية الثالثة أن يفرق بين كتب الفكر و مجلات الجنس .

تارودانت

 09/ 01 / 2014