mercredi 8 janvier 2014

Monologues des nouveaux schizoïdes مونولوكات الفصاميين الجدد

مونولوكات الفصاميين الجدد

Monologues des nouveaux schizoïdes

Par : ELKHADIR Hicham

       أزمة النص ، جنون العظمة ، التوحد ، أمراض تطبع حياة الإنسان المعاصر ، العربي بالذات ، و في المغرب تتخذ حدة هذه الظاهرة منحى تصاعديا يبعث على الخوف الشديد من وصول تلك اللحظة التي نصبح فيها مضطرين أن نقرأ ولو بالصدفة و دون كامل الرغبة والقصد لأشخاص يعرضون نصوصهم الفقيرة على كل المنابر ، إنها الإشارة البرتقالية التي لا تترك اختيارين للقراء : العبور السريع أو التوقف الحذر .
     إن الإفلاس الأدبي لهذه الأمة لم يولد فجأة ، لكنه نتيجة منتظرة لكل ما حصل و يحصل على المستوى السياسي بالدرجة الأولى ، ثم على المستوى الإعلامي – لأن السياسة دائما في العالم العربي تسبق الإعلام – و هي الإسقاط المباشر للفوضى السياسية و الإعلامية على المشهد الثقافي العام و على الأدمغة و الألسنة و الأقلام الأدبية و الفنية الجديدة على الخصوص ، و التي بفضل الحرية المعلوماتية التي يسرها قرب خدمة الإنترنت من كل الفئات العمرية ، و الظهور المباغت و الانتشار السريع لمواقع "التواصل الاجتماعي" كالفيسبوك و التويتر و قنوات اليوتيوب و هلم جرا مما فاتني التعرف عليه .

الوصول الميسر لكل الخدمات على الإنترنت من كل الأشخاص هو بداية الدمار الثقافي الشامل الذي يهدد استقرار البشرية على الأرض لأن تسيبا كهذا سيؤدي إلى الترخيص المعلن للقمع الثقافي الشامل .

    فعلى المستوى السياسي ، شكل الربيع العربي فرصة مناسبة للإطاحة بالأنظمة الفاسدة ، واستطعنا أن نفهم لأول مرة في التاريخ ماذا تعني عبارة الأنظمة الفاسدة ، فهي عبارة كبيرة تعني بشكل محدد و بسيط : الأنظمة العربية التي لم يتسنى لها الوقت الكافي لمواكبة شعوبها بالشكل الذي تنتج فيه قمعا معادلا لدرجة الحرية التي استمتع بها المواطن العربي . ولو كانت حياة الحرية في الأقطار العربية عامة حياة قصيرة جدا .

     الفساد لم يكن يوما محددا ، ففي غالب الأحيان تنتشر فضائح السياسيين فجأة بعد كانوا نجوم الساحة و أصحاب القرار ، و نفس الشعوب التي رفعتهم إلى مناصبهم بعقيدة مغلقة هي التي في لحظة ما تقوى على زعزعة الكراسي التي اطمأن الجالسون عليها إلى غفوة الشعوب التي لا تنتهي بل تتحول أحيانا إلى انتباهات سريعة و حركات لاإرادية سريعة تماما مثل ما يحدث للنائم إن غط في نومة ثقيلة ، قد يلغو بأصوات غير مفهومة ، أو قد يركل الفراغ برجله أو يلكم الهواء بقبضة يده التي تكون غالبا شديدة الارتخاء من فرط الاتكاء عليها . و السياسيون ذاتهم يعودون بعد اكتمال تحولهم من كائنات دكتاتورية كلاسيكية تكرهها الجماهير المتحررة إلى مفاعلات سلطوية تستطيع التحكم في الخلق وفي المجتمع و مؤسساته بل حتى في أحلام الثوريين و خطاباتهم دون أن تتخلى عن أقنعتها و وواجهاتها المبتكرة بتقنية عالية بهدف طمأنة الشارع العربي على مصالحه و تطلعاته دون العزم على تحقيقها ، و توفير الدعم النفسي و العاطفي اللازم لتهدئة جراح المكلومين . و قد تعمد هذه الكائنات المستذئبة إلى زرع الفتنة بين الطوائف حتى تحكم قطعانا ملونة بألوان مختلفة ما دامت عجزت عن حكم القطيع الموحد .

      أما على المستوى الإعلامي ، فلا الحديث يطول و لا التحليل يخبرنا بجديد ، لكن إن هو إلا عنصر وجب ذكره بما له من أهمية ، الإعلام الذي ظل مهنيوه يسمونه بالسلطة الرابعة ، لم يعد سلطة بل أصبح موظفا داخل بيروقراطية مسورة لكن بمزاج لبرالي ، و صارت وظيفته تعميم الصورة النمطية و تحليل الحوادث الصغيرة بدل الرقي بفكر القراء إلى النظرة الشاملة للأمور التي تحدث حولهم . لقد السلطة الرابعة مشهدا لتأقلم أنظمة الحكم ما بعد الربيع العربي و دليلا على تجدد القمع و تحوله بجنون دارويني غير مسبوق.

     و قد ساهمت حرية الإعلام المزعومة في جعل عدد القراء يتضاءل بشدة أمام ضخامة مؤشرات الكتاب و الناشرين و المدونين ، و إن كان الأمر دليلا في خدمة الديمقراطية فهو أيضا دليل على فقدان التحكم المقصود في ما يقرؤه الناس و ما يفكرون فيه . فعندما تمجد دولة الفوضى الثقافية ويقبل الشعب على الغث و السمين دون تمييز يكثر أشباه المثقفين و ينتحر المثقفون أو يغشى عليهم و يختفون تحت ليل اللامبالاة الجماهيرية ، تندحر الثقافة و يفلس الرأي أمام تعدد الرأي الآخر ، ويصبح الاجتهاد الفكري مهمة للمتقاعدين من لعبة الاحتيال على الشعوب (السياسة) . و هو ما يظهر من خلال تحليل التعاطي مع الفيسبوك و التويتر ...الخ ، فالكل يفكر في الرد قبل قراءة المنشور ، و الكل ينشر دون تفريق بين خبر عن لون سراويله الداخلية و خبر عن حدث كبير أو قراءة نقدية في حدث كبير .

     الظاهرة الخطيرة ، ونتحدث هنا عن المشهد الأدبي و عن فعل الكتابة خصوصا ، هي الجرأة المتزايدة لدى مستعملي الأنترنت فيما يخص كتابة التعاليق و ما يسمى ب"الحالة" le statut على جدار الفيسبوك ليس من حيث النشر لكن من حيث ما ينشر ، حيث عند قراءتك لأي منشور فيسبوكي يستطيع القارئ استشعار الثقة الزائدة للناشرين في صحة ما ينشرون و استعدادهم للنقاش . ثم إن إقبال المستعملين للفيسبوك و تويتر على تعميم الخبر الصحافي ، حيث يمكننا الإطلاع على آخر الأحداث بمجرد الدخول إلى واحد من مواقع التواصل الاجتماعي دون اللجوء الى صفحة خاصة بجريدة معينة ، إن هذا الإقبال سبب في اختفاء ما كان يسمى بالسبق الصحافي . التواصل الالكتروني ضربة قوية لمهن الصحافة و لفن الكتابة . إن لم نقل الضربة للقاضية لكل ما هو جدي و معقول في الفكر و الأدب .

     ثورة الاتصال خلقت بعدا خامسا في الثقافة و المعرفة ، صار المراهقون المتبولون في أفرشتهم ليلا عباقرة فجأة ، و صار بعض ذوي الاحتياجات الخاصة على المستوى العقلي فلاسفة يغدقون علينا من خيراتهم الفكرية ، و أكثر من عانى بالنسبة لي كان هو الأدب ، لم يعد هناك وازع يردع الإنسان قبل أن يتجرأ على الكتابة و انتحال صفة الكاتب و الشاعر و المبدع و ..... و أعلم أنني بما أقول أنتقد نفسي أولا لأنني من فئة الهواة و يطالني ما يطالهم من باب الصفة وليس من باب السلوك ، لكن هناك قول أمازيغي مأثور دائما ما ردده أحد أصدقائي مفاده أن نبتة الحبق لا تقول عن نفسها أنها طيبة الرائحة. دع الناس يقولون عنك ما تريد أن تسمع . و لا تحدث نفسك بما ليس لك فقد تجد نفسك داخل قوقعة المونولوك الفصامي . اتقوا الله ايها الفيسبوكيون ، ليس كل حساب على الفيسبوك يعطينا الحق لننتحل صفة ليست لنا .
في الشعر ، الجرأة تتحول إلى وقاحة و القصيدة تصير لفة من الكلمات الباردة دون معنى جديد ، و ربما تتحول في أحسن الأحوال إلى نص قرائي وظيفي مليء بالسجع المبتذل و فساد المعنى . و في الشعر الغنائي ، إن كان لا زال له وجود ، يمكن أن نلمس الكارثة بوضوح ودون لُبس ، الأغاني الجديدة تلغي النص و تزيد من قيمة الضجة الآلية التي تخاطب الأطراف و مواطن الانتشاء بدل الأفكار . يكفي ان نلقي نظرة على الألبومات الصادرة بداية من سنة 2000 م لنفهم أن الكلمة تراجعت تاركة مكانها للإيقاعات الصاخبة و العزف الغريب ، فعصرنا المضطرب يهتاج و ينتشي بكل ما يبعث على تحريك الجسد ما أمكن ، إنساننا المعاصر فقد ذوقه الفني حين استرخص من شعره و فقد مع الذوق حاسة السمع ليفقد قدرته على التمييز بين الحين و القبيح تدريجيا .

     لا تخلو صفحات الفيسبوك من عناوين ك : صفحة الكاتب و المبدع و الفنان .... و حين نحاول التعرف على صاحب كل هذه الألقاب التي غالبا ما تتجاوز ألقاب أعلام خدموا شعوبهم بأدبهم و كتابتهم كالعقاد و توفيق الحكيم و محمد زفزاف ...نجده لم يؤلف شيئا عدا بقايا كلام . و في المقابل نجد روائيا و قاصا مغربيا عظيما كأحمد بوزفور يتخلى عن جائزة توج بها خلال تظاهرة أدبية كبيرة ، و هو الذي أمطر الخزانة المغربية و العربية و الأدب العالمي بإنتاجاته الممتعة و المجددة و المركزة و الأنيقة . هكذا هم الكبار لا يرون أنفسهم كذلك لأنهم لم يفكروا يوما أن فعل الكتابة في حد ذاته يعطيهم الحق في استحقاق صفة الكاتب ، القراء هم من نصّبوهم على عرش الكلمة . و هؤلاء الكبار حتى لحظة الاعتراف لهم بالألمعية و لإنتاجاتهم بالجودة يصابون بالذهول و يركضون في استحياء بعيدا عن الأضواء ، هم أبدعوا استجابة لنداء الفكر و الأدب و الواقع فأصبحوا أعلاما و نحن نتجرأ على النص بالتلفيق و التدليس طلبا للشهرة . لم يعد في وسع إنسان الألفية الثالثة أن يفرق بين كتب الفكر و مجلات الجنس .

تارودانت

 09/ 01 / 2014