أحاديث الليل
سبارتاكوس، لينين و
تجار الثورة
الثورة ، شيء لا يمكن الحديث عنه
بشكل جديد ، فالتاريخ السياسي لشعوب العالم يفرض اجترار التجارب السابقة لأن
الثوري المعاصر لم ينتج نموذجا ثوريا جديدا يسعف الباحث المعاصر في تحليله لأوضاع
الناس و الساسة .
الثورة ، بالنسبة للإنسان العادي
كما لرجل السلطة ، كل ما من شأنه تهديد استقرار نظام حاكم . بينما الكلمة لا تحمل
هذا القدر من التهديد إذا نظرنا في بداياتها ، و أدبياتها المتعارف عليها .
فالثورة بناء تربوي أساسا . و لكل منا ما ارتضى .
النقاش الحر بين جميع طبقات المجتمع
البشري ، العربي و الشعوب التي تحس بالاستبداد من حين لآخر أو بشكل دائم لا يتوقف
عند تحديد مفهوم الثورة و هذا ما جعلها قابلة كمصطلح لكل انفعال جماهيري ( و
الجمهور لم يحصل أن اجتمع حول قضية واحدة ) ، فالكتل البشرية المتمردة ضد من
يقهرها ، ضد كتل أخرى ، أو ضد بعضها ، تسمي ردود الفعل التي تنتجها ثورة . فمقاومة
الاستعمار و رفع الظلم الجائر للحكام ، المطالبة للتقاسم العادل للثروة ، الحروب
الأهلية ، التنديد بشطط موظف بسيط في استعمال السلطة ، الاحتجاج ضد سوء المعاملة
داخل مؤسسة مخزنية / حكومية .... كلها حالات يعتقد أصحابها اعتقادا رصينا أنها
تدخل في ما يسمى بالثورة . و لا يمكن إخراج بعض المظاهر الاحتجاجية من هذه الدائرة
لكن لا يمكن القبول بالكل داخل القاموس المفرد للكلمة .
لنترك لعلماء اللغة و
السوسيولوجيين تحليل ذلك . لكن يمكن للكائن الاجتماعي العاقل البسيط أن يفتح
أنظاره على زوايا مختلفة في مناقشة ظاهرة الثورة حيثما كان و حسبما ارتضى . فميزة
الفكر المتحرر من القيود التاريخية و الاجتماعية هو قدرته على تقييم الرأي الناتج عن الإنسان البسيط بنفس تقييمه
للمقال العلمي في الظاهرة .
جمع نقاش عفوي ثلاثة شبان مغاربة
حول موضوع الثورة ، أحدهم جزء من مشروع إسلامي كبير ، و الثاني مدون الكتروني و
الثالث فضولي يتحدى . و غلب على النقاش عدم حضور مفهوم واحد لكلمة ثورة . و
للمتلقي أن يفهم عدة أشياء أحيانا متناقضة من محادثة كهذه و قد لا يستفيد شيئا
يذكر .
عدد كبير من الناس يظن أن الثورة
موحدة لدى الجميع ، و الأجهزة الحكومية تظن ذلك بدورها ، فالمتمردون يمارسون الفكر
الثوري خاصتهم ، و آليات القمع تمارس القمع ذاته لكل الثوريين . و كلاهما على خطأ
.
الثورة بالنسبة لي كلمة مبهمة ،
لا يجوز توظيفها في نقاشاتنا لأننا لا نعرفها و قد تكون تعبر عن شيء مغاير لما
نريد . ثم إن لي رؤية خاصة في ما سمي بالثورات ، القديمة منها و المعاصرة . كانت
مثلا حرب تحرير العبيد التي قادها سبارتاكوس ثورة ضد العبودية ، و كانت حربا على
الطبقية بشتى أنواعها . ثم حملت ثورات أخرى ملوكا و حكاما إلى القبور بينما حملت
الثورة البلشفية لينين إلى قمة الهرم الروسي و اسست لمجتمع جديد ، تجربة لم تنل
حظها من التجريب بيما حظي الفكر اللينيني بالوقت الكافي للقراءة و النقد .
و قد تكفل ترورتسكي بالحفر في
تمثال رفيقه ستالين ليفتتح بذلك عهدا جديدا في تقويم المسار الثوري و المحاكمة
المعنوية لما قد يسمى " خيانة المشروع الثوري " .
ثم اقتبس الكيان الكردي بشمال
العراق و الجنوب التركي نموذجه الثوري من مراجع متعددة حد التناقض إلى أن انفصل
الفكر عن الواقع في التجربة الكردية و انطلقوا إلى الكفاح المسلح دون مراجعة
المنهج الثوري أو حتى تعديله بشكل يضمن لتجربتهم التميز الإقليمي على الأقل ، و ها
هم اليوم يساومون تركيا لتمكنهم من حكم ذاتي يغطون به حاجيات القياديين لا غير .
هل تسمى النماذج الانفصالية
ثورات مثلا ، و هل الحق في تقرير المصير يشمل النظام الانفصالي مثلا ؟؟؟
للأسف نجد في المواثيق الدولية
بنودا تشجع الانفصال و تسميه حركات تحررية و يكفي أن تحتج قبيلة في بلاد ما ضد سوء
التدبير ليسمى الأمر حقا في تقرير المصير . و المصير لا أدري من جعله يشمل
الانتماء الجغرافي و إلا من حق كل دولة التخلي عن القارة التي تنمي إليها لنجد
افريقيا الوسطى مثلا تطالب بحقها في الانضمام الى أمريكا اللاتينية . و للأسف تقف
عدة أنظمة حاكمة موقف النكران ضد مصالح و استحقاقات مناطقها المهمشة رغم أن
الاستقرار ليس مبررا لطمس هويات الشعوب و قمع الأقليات .
الثورة قناع تقتنعه الكتل لتقوية
مشاريعها التي لم تولد الفكر الثوري لكن داخل منطق تصفية الحسابات . ولكن الثورة
لا زالت هي الخطاب الوحيد الذي يستطيع حشد الحشود الكبيرة للدفاع عن فكرة شخص واحد
.
أوصلت موجات الربيع الديمقراطي
الكثير من المعارضين إلى قصور الرئاسة و دهاليز الحكم في البلاد العربية بعد أن
كانت حكرا على من يلمع حذاء السلاطين و الحكام و الجنرالات . لكن المفاجأة حصلت
بعد تسلم السلط ، إذ مارس كل حاكم جديد ، أو حاول ، مشروعه الخاص في الحكم ، و
اكتشفت حشود الثورة / الجماهير ، أن حكم الثائرليس منظبطا للثورة الأم . في تونس
اكتشف التونسيون أن حزب النهضة لم يكن يخرج إلى الشارع لنفس الأسباب التي مات من
أجلها البوعزيزي ، و في مصر الرئيس المنتخب يعزل بسرعة البرق و الشارع المصري
فريقان يؤمنان بدولتين متناحرتين داخل دولة واحدة . و في بلادنا العربية كلها
الثورة تنتج عنفا جديدا ضد الثوريين لا غير .
الثورة نسبية ، ملك للفرد و لا
يمكن الجزم بأنها الثورة ذاتها عند نفس الكتلة البشرية . الثورة لم تنتج من وهم
الشعوب بقرب إصلاح أوضاعها بل ولدت لتحارب الظلم لا لتنتج ظلما أكثر حدة . لكنها
عبر التاريخ أنتجت ثوريين ينصبون جلاديهم في كراسي الحكام المعزولين.
إن التغيير يبدأ من الداخل ، دون
استنساخ النماذج الثورية لكن كما قال أحد الثلاثة لا بد للثورة أن تكون ثورة عقول
، فبالقدر الذي تتكاثر فيه العقول المستنيرة يعجز النظام الفاسد عن التحكم فيها و
يتنازل عن مكتسباته شيئا فشيئا . لا يشجع هذا المقال على الفتنة و افتعال الثورة و
لا يدعم أي طرح ثوري بعينه ، لكنه خلاصة حوار شيق و انفعالات مواطن .
هشام الخضير
09.02.2014
ايت ملول