jeudi 7 novembre 2013

حقيقة البرمجة اللغوية العصبية





منذ منتصف القرن السابق تطورت شتى فروع علم النفس تطورا سريعا ، و اكتشف الباحثون حقول بحثية أخرى ترتبط بالشق العلائقي من علم النفس أو ما يصطلح علم النفس الاجتماعي ، و في سرعة مثيرة صارت ملاحظات ومذكرات بعض الطلبة و الباحثين في علم النفس و في اللسانيات كذلك بوابة لما يسمى اليوم علوم النجاح .


بداية من العشرين سنة الأخيرة استقل أحد فروع البحث النفسي ليؤسس لنفسه مكانة خاصة كعلم مستوف لشروط المباحث العلمية ألا وهو علم البرمجة اللغوية العصبية هذا المجال الذي ترعرع خصوصا بعد سنة 1973 تبعا لأول دراسة اجريت بشكل مستقل حول NLP أو برمجة الأعصاب لغويا . وهي دراسات بدأ بها خبير في برامج الحاسوب يسمى ريتشارد باندلر برفقة صديقه الذي كان حينذاك باحثا في اللغويات و شديد التأثر بمدرسة العالم الأمريكي نعوم تشومسكي في اللسانيات . ثم قاما الباحثان بتلقيح أبحاثهما بخلاصة التجارب العلاجية بالتنويم الإيحائي و المغناطيسي لأحد العلماء النفسيين ألأمريكيين المشهورين و كذا بما أثمرته دراسات سوسيونفسية أخرى خصوصا علم نفس التربية . و يعتبر مفهوم النمذجة وهو محاكاة نموذج الناجحين أهم مبدإ في بداية هذا العلم الفريد من نوعه .


و اليوم بعد مرور سنوات عديدة على اكتشاف هذا العلم ، وظهور حقول أخرى شديدة التفرع و التفصيل ، وبعد اكتساح هذا الحقل التجريبي الجديد للعالم العربي ، أصبح من المفروض الحديث عنه و تبويب فروعه باللغة العربية و كانت أولى المراجع العربية للبرمجة اللغوية العصبية هي منشورات دورية للدكتور ابراهيم الفقي هذا المدرب الذي تشكل حياته الخاصة أهم تجربة نجاح يمكن الاستشهاد بها كمادة خام لتطبيق النمذجة . بعد ذلك انتشر المدربون و المكونون و الكوتشات عبر دول العالم العربي . وفي المغرب أذكر أن أشهر شيء حول البرمجة كان متداولا منذ أكثر من عشر سنوات كان شريطا للمدرب المغربي مصطفى أبو سعد و هو الآن خبير في الوالدية الإيجابية على عدة قنوات تلفزية عربية . 


اليوم بمدينة اكادير فقط لا نبالغ ان قلنا انه يوجد اكثر من 200 مدرب و مدرب مساعد في البرمجة اللغوية العصبية و عشرات المدربين الذين يتوفرون على شواهد ذات الصفة : مدرب دولي . أمر جيد جدا و يثير الانتباه الى درجة الغرابة . 


لقد أثبتت البرمجة اللغوية العصبية كمادة تدريب أن لها القدرة على استقطاب فئات عمرية متنوعة عبر العالم بأعداد كبيرة جدا ، الشيء الذي يجعل منها الثقافة الأكثر استهلاكا اليوم لدى الشباب المتعلم ، بعد ثقافة التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو . ومن أجل ذلك لا بد من توضيح بعض المزالق التي وقع فيها هذا المبحث العلمي الشاب : 


أولا ، لابد من التذكير بأنه ليس علما بل لا زال مجموعة من الأبحاث التجريبية بل هي بالضبط طرق و اساليب تعليمية غير مثبتة علميا و إلا لكانت مصالح التربية و التعليم في كل الدول صادقت عليها كطرائق تعليمية حديثة و مجربة و فعالة . و لهذا لابد أن ينتبه الإنسان إلى أن كل ما هو جديد مثير و مغر الى درجة تعطيل الحس النقدي لدى الإنسان . 


ثانيا ، هناك هوة واسعة بين ظهور هذه الأبحاث في أمريكا الشمالية و بين الطريقة التي استقدمت بها الى الدول العربية مثلا ، في موطن ظهورها اتخذت البرمجة اللغوية العصبية صفة بحثية قابلة للتجدد و التغيير و لم تتبنى أي جامعة مرموقة هذا المبحث كمادة علمية للتدريس الا ماكان من بعض الجامعات حيث فتحت أبواب دراسات الدكتوراه حول هذا الموضوع وووفرت للباحثين في هذا المجال الحيز الزمني و المراجع الضرورية لذلك ، مما جعل روبرت ديلتز يؤسس ما يسمى بجامعة البرمجة اللغوية العصبية بكاليفورنيا في الثمانينيات من القرن الماضي . وهذا ليس كافيا لإثبات قوة المراجع العلمية و النظريات المؤسسة لهذا "العلم " حيث أن تلك النظريات ذاتها لا زالت موضع التجريب فلا يجوز تأسيس علم على معطيات غير متفق حولها .بينما اتخذ ظهور البرمجة اللغوية في مصر و المغرب مثلا شكلا آخر ،ولنقل آخر ما وصلت إليه علوم النجاح في أمريكا ، و هو ما يطلق عليه اليوم : الدورات التدريبية . لأن صفة العالم بعيدة المنال في هذا المجال ، صارت صفة المدرب أقل مخاطرة و في علم المصطلح الفرق كبير جدا . لذا نجد هذه الدورات التدريبية تتخذ طابعا تجاريا غير ضريبي حيث يقدم المدربون دوراتهم داخل تعاونيات أو جمعيات محلية أو وطنية على أساس الأجرة و ليس التطوع ، لأنهم ليسوا منخرطين في الهيئات المستفيدة و بالتالي لا يشملهم القانون الأساسي للجمعيات و الذي يمنع على كل منخرط أن يتقاضى أجرة أنشطته داخل الجمعية بينما يحق للجمعية جلب أجراء لتنفيذ مهام أخرى لا يمكن للجمعية تنفيذها ، اذا هي تجارة مربحة في العالم العربي و مبحث علمي لم ينل ميزة العلم بعد .


ثالثا ، ان الاستفادة الكبيرة التي يمكن تحصيلها من الملاحظتين الأولى و الثانية هي أن أهم ما جاءت به أبحاث البرمجة اللغوية العصبية هي مهارات تسويق الذات .ففي البداية تكون الدورات التدريبية على شكل عروض عامة و مجانية تحتوي على مقمة عن الدماغ البشري بمعطيات قابلة للتجاوز في أية لحظة و غير متفق عليها ، ثم تبدأ المراحل التي لا يمكن استكمالها الا بمقابل مادي للحصول على شهادة تثبت اجتيازنا لتلك الدورة التدريبة و هو ما يفسر ما يقوم به غالبية المدربين في هذا المجال ، فنحن باتباعنا لمدرب بارع نبقى مرتبطين به كثيرا ، ونواظب على دوراته التكوينية كثيرا، وندفع مبالغ طائلة لنحس بأننا في تلك اللحظة فقط أحسن مما نحن عليه في الحقيقة ، و في المقابل يجني المدرب أموالا طائلة جدا و يستمتع كثيرا لأنه لم يستثمر المال الكثير من أجل ربح مماثل .


في النهاية ، إن أعظم اكتشاف حققه الإنسان هو اكتشاف المنتوج التجاري الأقوى في كل الأسواق ألا وهو الشخصية الكاريزماتيكية و الجذابة و القوية و التي تعتبر رأسمال طبيعي لا نصرف عليه الكثير ليصبح منتوجا جيدا قابلا للتسويق . الإنسان فعلا ظاهرة كونية عظيمة . 


بقلم هشام الخضير

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire