vendredi 16 mai 2014

الإطعام المدرسي

الإطعام المدرسي بالمغرب ..

متى تنتهي فصول المسرحية ؟؟


                                  
 بقلم : هشام الخضير
                                     
16-05-2014
تم تسليم شحنات الإطعام المدرسي ، على دفعات متفاوتة إلى بعض المدارس الابتدائية انطلاقا من بداية الأسبوع الأول من فبراير 2014 ، رغم أن التوقيت الذي كان متعارفا عليه خلال السنوات الأخيرة كان عادة شهر دجنبر من كل سنة . ورغم أن السنة الدراسية تبدأ كل شتنبر .   و بدل أن تصل التموينات الهزيلة في وقت مبكر من السنة الدراسية جاءت متأخرة كانها مواد تكميلية يمكن للتلاميذ في المناطق النائية الاستغناء عنها .
الإطعام المدرسي خدمة ضرورية لكل المتعلمين في المدارس الابتدائية بالعالم القروي ، لأنها تعوض نسبيا وجبة أساسية يحرم منها الأطفال بسبب بعد منازلهم عن مكان الدراسة و بالتالي فهي فريضة على الوزارة و على نياباتها الإقليمية توفيرها كحق لكل طفل مغربي متمدرس ، و الحال أن التعامل مع هذه الخدمة لم يعد يكتسي بعده التربوي و لم يعد ذا قيمة منذ أن اتخذت جمعيات الآباء موقفا سلبيا من المؤسسة و شؤونها و لم تعد تتدخل في تدبير الشأن التربوي ، لا من بعيد و لا من قريب . و تركت للإدارة و مصالحها انفراد التسيير و التدبير الذي غالبا ما يطرح عدة تساؤلات عن مدى جدوى خدمة الإطعام المدرسي و جودته و احترامه لمعايير التغذية الصحية و الكريمة و الأهم عن مدى احترام التوقيت المناسب لتسليم المؤونة الغذائية و عن حالة المطاعم المدرسية التي تكتسي أغلبها طابعا نقليديا . تشبه في الغالب براكات لتربية الدواجن لولا مجهودات الأعوان المكلفين بالإطعام و بعض الأساتذة الذين يتطوعون من تلقاء أنفسهم .
بعيدا عن المكاتب المكيفة بالرباط ، تعالوا نكتشف كيف تسير الأمور بإحدى الجماعات القروية التابعة لدائرة إغرم ، نيابة إقليم تارودانت ، حيث تبدأ للا كلثوم ، سيدة في العقد السادس من عمرها ، تبدأ يومها في الصباح المبكر بمسيرة على الأقدام من مكان إقامتها بدوار بعيد عن المدرسة بحوالي نصف ساعة من المشي الحثيث ، لتصل إلى مكان عملها قبل استيقاظ التلاميذ و المعلمين ، تنظف القاعة المخصصة للإطعام ، تعد الخبز الصباحي الذي تفوح رائحته لتذكرنا بصنيع الأمهات ، و تقوم بتقطيعه قبل أن تفتح علب السردين المصبر لتضع في كل ربع خبزة شيئا من السمك ، تعد ما يقارب 40 وجبة كل يوم ، و تباشر عملية توزيع الأكل على الأطفال بلمسة من الدفء و حس إنساني راق نلمحه فقط عند الأمهات ، أم للجميع هنا ، طباخة ماهرة ، و مكلفة بتنظيف المطعم و توزيع الوجبات ، سيدة في عمرها كم تتقاضى يا ترى مقابل كل ذلك ؟
سألت تلك السيدة عن المبلغ الذي تتلقاه بعد كل دفعة ، تستمر المؤونة مدة 70يوما غي الغالب ، فدهشت للأمر حين علمت أن المبلغ متغير بحسب عدد التلاميذ ، و الحال هاته فأجرتها لا تتجاوز 650درهما في ما يقارب شهرين و نصف الشهر . و منذ متى تمارسين هذا العمل يا سيدتي ؟ تقول : ربما قضيت هنا ثلاثين سنة فقد بدأت مع المدير الفلاني ، و جاء بعده السي مسعود و .. تسرد أسماء المديرين و الأساتذة بدقة عالية ، مما لا يدع مجالا للشك أنها في سلم الأقدمية بالمؤسسة انتصرت على كل معايير التصنيف .
هذه السيدة المناضلة بشتى المقاييس لم تشتكي يوما من الحيف الذي لقيته ، مع ما خلفه الزمن من أوشام غائرة على لوحة وجهها ، و من أمراض عصية و تعب في الجسد لا تزال روحها تأبى الخضوع لنوائب الزمان . هي تعلم أن المقابل هزيل جدا ، تقول أنها في كل بداية موسم جديد تفكر في الابتعاد عن عملها الذي عرفته أكثر من نصف قرن ، لكن وجوه الأطفال البريئة و هم يزدردون الطعام الذي تعده لهم أكبر سبب لصبرها و اجتهادها .
ثلاثون سنة في عمل رتيب ، مليء بالمسؤولية و التفاني ، و أجرة هزيلة لا تسد حاجة و لا تفتح منفذا ، و اليوم لا زال الحال علة ما هو عليه رغم تعاقب الحكومات و المسؤولين المتشدقين بشعارات الديموقراطية و العيش الكريم ، لا أثر للديموقراطية و لا لغير ذلك ، حين نكتشف أن الحكومة التي تعاقب المشغل الذي لا يصرح بمن يعملون داخل مؤسساته و لا يضمن لهم حقوقهم التي ينص عليها قانون الشغل ، لا تلتزم بالقانون و تعد نفسها فوق القانون ، هل يمكن اعتبار هذه الحالة التي تعمل مدة نصف عمرها دون أدنى اعتبار ، و تجوب المسالك الجبلية في الشتاء و الصيف دون تغطية صحية ، مشهدا ديموقراطيا ؟؟
قد يظن البعض أنها الحالة الوحيدة لكنما هي عينة واحدة عما يعاني منه المكلفون بالإطعام المدرسي عبر ربوع المغرب العميق دون أن يحرك المثقفون و أشباههم الذين يعرفون هذه السيدة و أمثالها و يتجاهلون مأساتها حتى يتمكنوا من النوم في هدوء و سكينة .  يكفي أن نعرف خطورة تواجد شخص أجير داخل مرفق عمومي دون إطار قانوني واضح و دون تغطية صحية و دون أجرة كريمة لكي نتعلم عدم الاغترار بالشعارات المزيفة للمؤسسة الحكومية .
إذ قامت الحكومة الحالية بتخفيض ايام الإطعام المدرسي من 120 يوما إلى 90 يوما بالسلك الابتدائي دون سابقة فقط من باب السياسة التقشفية البائدة التي تنهجها حكومة بن كيران  التي أتت لتتعلم " الحسانة في رؤوس اليتامى و المستضعفين "
عندما ترى المكلفة بالمطعم التلاميذ فرحين بوجباتهم تقول : يكفيني أجر هؤلاء الصغار فكل ابتسامة منهم صدقة علي يوم القيامة " أما المعنى الفعلي للتضامن و الضمير المهني فقد تعلمناه من السيدة كلثوم و ليس من وزارة التربية الوطنية .


0 commentaires:

Enregistrer un commentaire