الحديث عن نهاية العالم و اخر الزمان موضوع متجدد . و لا يدخر أي تيار مجهوداته لتأكيد النهاية الفريبة ، فالتيار المؤيد لنظرية المؤامرة يقول أن هناك مخططات كبيرة لمواجهة كوارث آخر الزمان . كما يؤكد بعض المسلمين أنه لا بد من تقهقر حضاري كبير ، قلن نقوم الساعة حسب هؤلاء إلا يالسيف و الرمح و الأسلحة القديمة، و الجيوش البدائية .
يفضل الكثير من المحللين و رواد المقاهي الشعبية أن يربطوا بين الأعاصير السياسية و إعصار كاترينا .
1 - الحديث عن نهاية العالم و
آخر الزمان ، حديث متجدد ، فأحيانا يتخذ شكل المقالات الموغلة في تعداد علامات
الساعة ، و أحيانا على شكل فيديوهات على اليوتيوب تحلل المؤامرة الغربية و تربط
الماسونية العالمية بالتطور التقني و العلمي .. ثم تؤول كلاما لابن خلدون بما
يناسب فكرة النهاية الحتمية .
فمن قائل أن هناك مخططات لبنايات
مقاومة لزلازل و كوارث آخر الزمان من صنع الغرب طبعا ، كالباحث النورفيجي الذي
تحدث عن بنايات تحت الأرض مقاومة للزلزال و الطوفان و ما إلى ذلك من أشكال غضب
الطبيعة . الغريب أن يجد هذا الطرح حاضنا دينيا كالإسلام ، فقد شارك بعض العلماء
المسلمين و الفقهاء المعروفين في بناء التصور الكامل لعقيدة الفناء باستعمال آخر
المقولات العلمية و التأويلات المصاحبة لها .
وحسب هؤلاء ، و دون موافقة ابن
خلدون ، لا تقوم الساعة حتى يحصل التدهور الحضاري التام ، كما يصورون حروب آخر
الزمان بشكل هوميري ( نسبة إلى هوميروس ) فهي حروب مبيدة لكن بأسلحة القرون
البائدة ، كالسيف و الرمح و الحجارة والمقلاع و المنجنيق و هلم جرا .. لذا لا بد
من اندحار الحضارة و اختفاء ما وصلت اليه البشرية من تطور في التكنولوجيا و العلوم
و التسلح ، و تقوم الحرب العالمية الأخيرة على رؤوس السيوف و الحراب و بواسطة
الجيوش البدائية .
2 – يفضل الكثير من المحللين
الجيوسياسيين ، و معهم الكثير من رواد المقاهي الشعبية و قراء الجرائد أن يربطوا
بين الأعاصير السياسية و إعصار كاترينا ، فالتغييرات و القلاقل و الحروب السياسية
التي لا زالت تجتاح الشريط العربي منذ سنة 2011
مشهد صريح عنوانه بداية النهاية . بينما يؤول ذوو المرجعية الدينية الأشياء
بدقة أكثر ، فما هي إلا نهاية الملك الجبري ، أو الملك العاض و ما هي إلا علامات
اقتراب الخلافة على منهاج النبوة هكذا يقرأ بعض الإسلاميين أوضاعهم المزرية على
ضوء حديث الخلافة المشهور . و لا زالت فضيحة النبوءة الكاذبة التي جعلت من سنة
2012 موعدا لنهاية الزمان ، تجوب أنحاء العالم دون أن يتحدث أحد عن خيبة المتنبئين
الذين حصل بينهم إجماع غريب لأول مرة في التاريخ حول شيء لم يحدث مطلقا . فقد
تنبأت الحضارات القديمة بذلك كما فعلت بعض الجماعات الدينية المعاصرة بل حتى
الثقات من الفقهاء و الواعظين و علماء الغرب ، البعض منهم أكد هذه النبوءة التي لا
اثر لها و لا نراها تتحقق حتى اليوم .
3 – الإشكالية الكبرى التي طرحت
بقوة خلال رحلة الهذيان الطويلة حول زمان الفتن و قيام الساعة ، هي فكرة الخلاص و
هي مسألة إيمانية أصلا و لا يحتكرها دين معين ، بل تطرح نفسها داخل المنظومات
الدينية السماوية المتنوعة مذاهبها في كل بقاع الأرض لكن تختلف حدتها و معقوليتها
لأسباب جغرافية لا غير .فالمؤمنون في الإسلام و اليهودية يعتبرون أعمالهم في
الدنيا بوابة لخلاصهم الفردي يوم الحساب ، بينما تشذ عقائد المسيحيين عن القاعدة
إذ بالنسبة لهم المسيح المخلص هو من جاء ليخلص المؤمنين و دفع ثمن خطيئة البشرية
بداية من تفاحة آدم إلى سوء أدب بني اسرائيل مع الله ، دفع الثمن من جسده و حياته
فعذب و صلب حتى مات . اما العقلانيون فالإيمان بالله و اختيارات الخلاص لا تتعدى
كونها الاحتمال الأكثر أمانا في مربع باسكال . في النهاية الخلاص لا يمكن أن يكون
إلا فرديا و هذا ليس استنتاجا مما سبق بل هو احتكام إلى ما نريد و ما ننتمي إليه .
4 – ولتكن النهاية قريبة جدا ، و
ليكن أمامنا بضع سنوات أخيرة قبل الإغماضة الأخيرة ، فماذا كنا لنفعل ؟ قد نتسارع
لملء الصفوف في المساجد ، و نكثر من فعل الخير و الإحسان ، أو نختار المغادرة
بطريقة ملحمية كالاستشهاد في غزة ، و ربما ننزوي في ركن صوفي هادئ و نجلد النفس
الأمارة بالسوء في طقوس مزوخية من الحرمان و التوحد . لكن هل تكفي بضع سنين لمحو
ظلم البشر و سوء تأثيرهم على الكون ؟ نحن نؤمن بالأمة الناجية و المسلمون يعتقدون
في شفاعة النبي ، أمتي .. أمتي و طمأنه الله على أمته بعد أن أكد للنبي ابراهيم أن
: « لا ينال عهدي الظالمين » . لقد دمر الإنسان كوكبا جميلا منذ حطته خطيئته
الأولى لأول مرة على الأرض ، و تعوَّد على الاستمتاع بظلال النعم و هذا ما وجده
على الدنيا و استروى منه و لما يرتوي . و حلل هيجل خضوع الناس لأقواهم حين فكك جدل
السيد و العبد . و بعدنا عن الطبيعة البشرية حين تورطنا في تطوير ما لا يشبهنا حتى
يشبهنا ، و حين لم ننجح تخلينا عما نكون لنصبح ما كنا نحاول صنعه .
5 – نهاية العالم ظاهرة تستند
إلى الفلك ، قد تكون الكرة الأرضية غيرت موقعها منذ زمن غابر ، بسبب مرور مذنب ضخم
قربها ، و هذا ما سمح للناس أن يولدوا و يعيشوا عليها ، و بعد عودة هذا الجرم
الفضائي الضخم من جديد سوف نرى تغير وجه الأرض من جديد ، و ربما ننتقل لنعيش مع
سكان الأرض المجوفة ، و لا ندري متى يحط اول صحن فضائي لينقذنا من الزوال و المحو
، كلها اقتباسات من عدة مراجع مكتوبة و شفوية تختلف من حيث الجدة و الثبوت و
الصدقية و تتفق في شأن وحيد هو سهولة التلاعب بما يعتقد فيه الناس ، لا شيء ثابت
عن نهاية العالم ، كل النظريات الفلسفية افلست ، و كل الأبحاث العلمية لا تزال
تبحث عن دليل دون أن تجد شيئا لا يقبل الاختلاف ، و كل المذاهب و الأديان تروج لما
تريده و ترضاه دون أن يحرزوا تقدما ملموسا ، إنه استقرار الإنسان على الأرض ،
استقرار زاد من حضورنا على كوكب مسالم ، و دمر معالم الجمال التي كانت موجودة
قبلنا ، فعشقنا الجمال و الجسد الجميل ، و أحببنا الأرض ، و أحببنا السلطة التي
تنتج عن التعلق بالأرض و سكانها ، و أحب بعضنا أن يخلد على حساب البعض . إنه
الاستقرار الذي يولد الوهم .
هشام الخضير
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire